كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومن الآيات التي فيها الثناء على المبادرين إلى امتثال أوامر ربهم قوله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الخيرات} [الأنبياء: 90] الآية. وقوله تعالى: {أولئك يُسَارِعُونَ فِي الخيرات وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 61].
وأما القسم الدال على التخويف من الموت، قبل الامتثال المتضمن الحث على الامتثال: فهو أن الله جل وعلا، أمر خلقه أن ينظروا في غرائب صنعه، وعجائبه كخلقه للسماوات والأرض، ونحو ذلك في الآيات من كتابه كقوله: {قُلِ انظروا مَاذَا فِي السماوات والأرض} [يونس: 101] الآية. وقوله تعالى: {أَفَلَمْ ينظروا إِلَى السماء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وما لَهَا مِن فُرُوجٍ} [ق: 6] وقوله: {أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإبل كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السماء كَيْفَ رُفِعَتْ وإلى الجبال كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الأرض كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية: 17- 20]. ثم ذكر في آية أخرى ما يدل على أن ذلك النظر مع لزومه يجب معه النظر في اقتراب الأجل، فقد يقترب أجله، ويضيع عليه أجر الامتثال بمعالجة الموت، وذلك في قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السماوات والأرض وما خَلَقَ الله مِن شَيْءٍ وَأَنْ عسى أَن يَكُونَ قَدِ اقترب أَجَلُهُمْ} [الأعراف: 185] إذ المعنى: أو لم ينظروا في أنه عسى أن يكون أجلهم قد اقترب، فيضيع عليهم الأجر بعدم المبادرة قبل الموت، وفي الآية دليل واضح، على أن الإنسان يجب عليه أن يبادر إلى امتثال الأمر، خشية أن يعاجله الموت قبل ذلك.
ومن أدلتهم على أن وجوب الحج على الفور، أحاديث جاءت دالة على ذلك، ولا يخلو شيء منها من مقال، إلا أنها تعتضد بالآيات المذكورة، وبما سنذكره إن شاء الله بعدها.
منها ما أخرجه أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا الثوري، عن إسماعيل وهو أبو إسرائيل الملائي، عن فضيل، يعني: ابن عمرو، عن سيعد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعجلوا إلى الحج» يعني الفريضة. فقوله في هذا الحديث: تعجلوا يدل على الفور، وقد نقل حديث أحمد هذا المجد في المنتقى بحذف الإسناد على عادته، فقال: عن ابن عباس، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال «تعجلوا إلى الحج» يعني الفريضة «فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له» رواه أحمد انتهى منه. وقد سكت على هذا الحديث، وسكت عليه أيضًا شارحه الشوكاني في نيل الأوطار، وظاهر سكوتهما عليه: أنه صالح للاحتجاج عندهما، والظاهر عدم صلاحية هذا الحديث بانفراده للاحتجاج، لأن في سنده إسماعيل بن خليفة أبو إسرائيل الملائي، وهو لا يحتج بحديثه، لأنه ضعفه أكثر أهل العلم بالحديث، وكان شيعيًّا من غلاتهم، وكان ممن يكفر أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، قوال فيه ابن حجر في التقريب: صدوق، سيء الحفظ، نسب إلى الغلو في التشيع.
والحاصل: أن أكثر أهل العلم لا يحتجون بحديثه، وانظر إن شئت أقوال أهل العلم في تهذيب التهذيب، والميزان وغيرهما.
ومن أدلتهم أيضًا على ذلك: ما رواه الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الحسن بن عمرو الفقيمي، عن مهران أبي صفوان، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أراد الحج فليتعجل» اهـ. وقال الحاكم في المستدرك: حدثنا أبو بكر بن إسحاق، أنبأنا أبو المثنى، ثنا أبو معاوية محمد بن خازم، عن الحسن بن عمرو الفقيمي، عن أبي صفوان، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أراد الحج فليتعجل» ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. وأبو صفوان هذا سماه غيره مهران مولى لقريش، ولا يعرف بالجرح انتهى منه. وأقره الحافظ الذهبي على تصحيحه لهذا الإسناد، ولا يخلو هذا السند من مقال، لأن فيه مهران أبا صفوان، قال فيه بان حجر في التقريب: كوفي مجهول، وقال صاحب الميزان، لا يدري من هو. وقال فيه في تهذيب التهذيب. روي عن ابن عباس «من أراد الحج فليتعجل» وعنه الحسن بن عمرو الفقيمي، قال أبو زرعة: لا أعرفه إلا في هذا الحديث وذكره ابن حبان في الثقات.
قلت: وقال الحاكم لما أخرج حديثه هذا في المستدرك لا يعرف بجرح انتهى منه. وهو دليل على أن حديث مهران المذكور معتبر به، فيعتضد بما قبله، وبما بعده، مع أن ابن حبان عده في الثقات، وصحح حديثه الحاكم وأقره الذهبي على ذلك. اهـ.
وقال ابن ماجه في سننه: حدثنا علي بن محمد، وعمرو بن عبد الله، قالا: ثنا وكيع ثنا إسماعيل أبو إسرائيل، عن فضيل بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن الفضل أو أحدهما عن الآخر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أراد الحج فليتعجل فإنه قد يمرض المريض وتضل الضالة وتعرض الحاجة» اهـ. وفي سنده: إسماعيل بن خليفة أبو إسرائيل الملائي، وقد قدمنا قريبًا: أن الأكثرين ضعفوه.
ومن أدلتهم على ذلك ما روي عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «من لم يحبسه مرض، أو مشقة ظاهرة أو سلطان جائر فلم يحج فليمت إن شاء يهوديًّا وإن شاء نصرانيًّا» قال ابن حجر في التلخيص: هذا الحديث ذكره ابن الجوزي في الموضوعات. وقال العقيلي، والدارقطني: لا يصح فيه شيء.
قلت: وله طرق.
أحدها: أخرجه سعيد بن منصور في السنن: وأحمد، وأبو يعلى، والبيهقي من طرق عن شريك عن ليث بن أبي سليم، عن ابن سابط، عن أبي أمامة بلفظ «من لم يحبسه مرض أو حاجة ظاهرة أو سلطان جائر فلم يحج فليمت إن شاء يهوديًّا وإن شاء نصرانيًّا» لفظ البيهقي، ولفظ أحمد «من كان ذا يسار فمات ولم يحج» الحديث. وليث ضعيف، وشريك سيئ الحفظ، وقد خالفه سفيان الثوري، فأرسله ورواه أحمد في كتاب: الإيمان له عن وكيع، عن سفيان، عن ليث، عن ابن سابط قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات ولم يحج ولم يمنعه من ذلك مرض حابس أو سلطان ظالم أو حاجة ظاهرة» فذكره مرسلًا. وكذا ذكره ابن أبي شيبة، عن أبي الأحوص، عن ليث مرسلًا، وأورده أبو يعلى من طريق أخرى، عن شريك مخالفة للإسناد الأول، وراويها عن شريك: عمار بن مطر ضعيف. وقال الذهبي في الميزان، بعد أن ذكر طريق أبي يعلى: هذه في ترجمة عمار بن مطر الرهاوي المذكور الراوي، عن شريك هذا منكر عن شريك.
الثاني: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مرفوعًا «من ملك زاد وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهويًّا أو نصرانيًّا» وذلك لأن الله تعالى قال في كتابه {وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت مَنِ استطاع إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] رواه الترمذي، وقال: غريب، وفي إسناده مقال، والحارث يضعف، وهلال بن عبد الله الراوي له عن أبي إسحاق مجهول، وسئل إبراهيم الحربي عنه؟ فقال: من هلال. وقال ابن عدي: يعرف بهذا الحديث، وليس الحديث بمحفوظ. وقال العقيلي: لا يتابع عليه، وذكر في الميزان حديث على هذا في ترجمة هلال بن عبد الله المذكور، وقال: قال البخاري: منكر الحديث. وقال الترمذي: مجهول، وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه اهـ، وقال فيه في التقريب: متروك.
وقد روي عن علي موقوفًا، ولم يرو مرفوعًا من طريق أحسن من هذا، وقال المنذري: طريق أبي أمامة على ما فيها أصلح من هذه.
الثالث: عن أبي هريرة رفعه «من مات ولم يحج حجة الإسلام في غير وجع حابس أو حاجة ظاهرة أو سلطان جائر فليمت أَي الميتتين شاء. إما يهوديًّا أو نصرانيًّا» رواه ابن عدي، من طريق عبد الرحمن الغطفاني، عن أبي المهزم، وهما متروكان عن أبي هريرة، وله طريق صحيحة إلا أنها موقوفة رواها سعيد بن منصور والبيهقي، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال «لقد هممت أن أبعث رجالًا إلى هذه الأمصار فتنظر كل من كانت له جدة ولم يحج فيضربوا عليه الجزية ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين» لفظ سعيد، ولفظ البيهقي أن عمر قال: ليمت يهوديًّا أو نصرانيًّا يقولها ثلاث مرات: رجل مات ولم يحج وجد لذلك سعة، وخليت سبيله.
قلت: وإذا انضم هذا الموقوف إلى مرسل ابن سابط، علم أن لهذا الحديث أصلًا، ومحمله على من استحل الترك، وتبين بذلك خطأ من ادعى أنه موضوع والله أَعلم. اهـ. من التلخيص الحبير بلفظه. وقول ابن حجر ومحمله على من استحل الترك هو قول من قال من المفسرين: إن الكفر في قوله تعالى: {وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت مَنِ استطاع إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ العالمين} [آل عمران: 97] يحمل على مستحل الترك، ولا دليل عليه، ووجه الدلالة من الأحاديث المذكورة على ما فيها من المقال أَنها تصرح أنه لا يمنعه من الإثم إلا مانع يمنعه من المبادرة إلى الحج، كالمرض، أو الحاجة الظاهرة، أو السلطان الجائر. فلو كان تراخيه لغير العذر المذكور لكان قد مات، وهو آثم بالتأخير. فدل على أن وجوب الحج على الفور، وأنه لا يجوز التراخي فيه إلا لعذر، وقال الشوكاني في نيل الأوطار، بعد أَن ساق الطرق التي ذكرناها عن صاحب التلخيص، وهذه الطرق يقوي بعضها بعضًا؟ وبذلك تتبين مجازفة ابن الجوزي في عده لهذا الحديث من الموضوعات، فإن مجموع تلك الطرق لا يقصر عن كون الحديث حسنًا لغيره، وهو محتج به عند الجمهور، ولا يقدح في ذلك. قول العقيلي والدارقطني، لا يصح في الباب شيء، لأن نفي الصحة لا يستلزم نفي الحسن اهـ. محل الغرض منه.
ومن أدلتهم أيضًا على أن وجوب الحج على الفور ما قدمناه في سورة البقرة، من حديث الحجاج بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «من كسر أو عرج فقد حل وعليه الحج من قابل» قال عكرمة: سألت ابن عباس، وأبا هريرة عن ذلك؟ يعني: حديث الحجاج بن عمرو المذكور فقالا: صدق.
وقد قدمنا أن هذا الحديث ثابت من رواية الحجاج بن عمرو الأنصاري. وابن عباس وأبي هريرة، وقد قدمنا أنه رواه الإمام أحمد، وأصحاب السنن، وابن خزيمة والحاكم، والبيهقي، وقد قدمنا: أنه سكت عليه أبو داود والمنذري وحسنه الترمذي، وأن النووي قال فيه: رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه والبيهقي، وغيرهم بأسانيد صحيحة، ومحل الشاهد من الحديث المذكور قوله صلى الله عليه وسلم في بعض روايات الحديث، عند أبي داود، وابن ماجه «فقد حل وعليه الحج من قابل» لأن قوله: من قابل دليل على أن الوجوب على الفور، وقد قدمنا هناك، ما يدل على أن ذلك القضاء الواجب على المحصر بمرض أو نحوه إنما هو في حجة الإسلام، وأنه لا قضاء على المحصر في غيرها، وبينا أدلة ذلك هناك في الكلام على قوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا استيسر مِنَ الهدي} [البقرة: 196] والرواية التي ذكرنا هناك: فقد حل وعليه حجة أخرى، وهذه الرواية قد بينتها رواية «وعليه الحج من قابل» وهي ثابتة: وهي دالة على الفور مفسرة للرواية التي ذكرنا هناك.
فهذه الأحاديث مع تعددها واختلاف طرقها، تدل على أن وجوب الحج على الفور، وتعتضد بالآيات القرأنية التي قدمناها، وتعتضد بما سنذكره إن شاء الله من كلام أهل الأصول.
واعلم أن المخالفين قالوا: إن هذه الأحاديث لم يثبت منها شيء، وأن حديث: «من أراد أن يحج فليتعجل» مع ضعفه حجة لهم لا عليهم، لأنه وكل الأمر إلى أرادته. فدل على أنه ليس على الفور، ولا يخفى أن الأحاديث التي ذكرنا لا يقل مجموعها عن درجة الاحتجاج، على أن وجوب الحج على الفور.
ومن أدلتهم على أن وجوب الحج على الفور: هو أن الله أمر به، وأن جماعة من أهل الأصول قالوا: إن الشرع واللغة والعقل كلها دال على اقتضاء الأمر الفور. أما الشرع فقد قدمنا الآيات القرأنية الدالة على المبادرة فورًان لامتثال أوامر الله قكوله {وسارعوا إلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} [آل عمران: 133] الآية، وكقوله: {سابقوا إلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} [الحديد: 21] الآية، وبينا دلالة تلك الآيات وأمثالها على اقتضاء الأمر الفور، وأوضحنا ذلك.
وأما اللغة: فإن أهل اللسان العربي، مطبقون على أن السيد لو قال لعبده: اسقني ماء، فلم يفعل، فأدبه، فليس للعبد أن يقول له: صيغة أفعل في قولك: اسقني ماءن تدل على التراخي، وكنت سأمتثل بعد زمن متراخ عن الأمر بل يقولون: إن الصيغة ألزمتك فورًا، ولَكِنك عصيت أمر سيدك بالتواني والتراخي.
وأما العقل: فإنا لو قلنا: إن وجوب الحج على التراخي، فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون ذلك التراخي له غاية معين ينتهي عندها، وإما ألا والقسم الأول ممنوع، لأن الحج لم يعين له زمن يتحتم فيه، دون غيره من الأزمنة، بل العمر كله تستوي أجزاؤه بالنسبة إليه.
إن قلنا: إنه ليس على الفور.
والحاصل: أنه ليس لأحد تعيين غاية له لم يعينها الشرع.
والقسم الثاني الذي هو: أن تراخيه، ليس له غاية، يقتضي عدم وجوبه، لأن ما جاز تركه جوازًا، لم تعين له غاية ينتهي إليها، فإن تكره جائز إلى غير غاية، وهذا يقتضي عدم وجوبه والمفروض وجوبه.
فإن قيل: غايته الوقت الذي يغلب على الظن بقاؤه إليه.
فالجواب: أن البقاء إلى زمن متأخر، ليس لأحد أن يظنه؟ لأن الموت يأتي بغتة، فكم من إنسان يظن أنه يبقى سنين فيخترمه الموت فجأة، وقد قدمنا قوله تعالى في ذلك {وَأَنْ عسى أَن يَكُونَ قَدِ اقترب أَجَلُهُمْ} [الأعراف: 185] ولا ينتهي إلى حالة يتيقن الموت فيها، إلا عند عجزه عن العبادات، ولاسيما العبادات الشاقة كالحج.
والإنسان طويل الأمل، يهرم، ويشب أمله وتحديد وجوبه بستين سنة تحديد لا دليل عليه.
فهذه جملة أدلة القائلين: بأن وجوب الحج على الفور، ومنعوا أدلة المخالفين قالوا إن قولكم: إن الحج فرض سنة خمس بدليل قصة ضمام بن ثعلبة المتقدمة، فإن قدومه سنة خمس، وقد ذكر له النَّبي صلى الله عليه وسلم وجوب الحج، وأن قوله تعالى: {وَأَتِمُّواْ الحج والعمرة للَّهِ} [البقرة: 196] الآية. نزلت عام ست في عمرة الحديبية. فدلّت على أن الحج مفروض عام ست، وأنه صلى الله عليه وسلم أخره بعد فرضه إلى عام عشر، كل ذلك مردود، بل الحج إنما فرض عام تسع، قالوا: والصحيح أن قدوم ضمام بن ثعلبة السعدي كان سنة تسع.
وقال ابن حجر في الإصابة في ترجمة ضمام المذكور ما نصه: وزعم الواقدي أن قدومه كان في سنة خمس، وفيه نظر. وذكر ابن هشام عن أبي عبيد: أن قدومه كان سنة تسع، وهذا عندي أرجح. اهـ. منه، وانظر ترجيح ابن حجر لكون قدومه عام تسع.
وذكر ابن كثير: قدوم ضمام المذكور في حوادث سنة تسع، مع أنه ذكر قول من قال: إن قدومه كان قبل عام خمس، هذا وجه ردهم للاحتجاج بقصة ضمام، وأما وجه ردهم للاحتجاج بآية: {وَأَتِمُّواْ الحج والعمرة للَّهِ}، فإنها وإن نزلت سنة ست عام الحديبية فليس فيها فرضية الحج، وإنما فيها الأمر بإتمامه، وإتمام العمرة بعد الشروع فيهما، وذلك لا يقتضي وجوب الابتداء.
فإن قيل: فمن أين لكم تأخر نزول فرضه إلى التاسعة أو العاشرة.
قيل: لأن صدر سورة آل عمران نزل عام الوفود، وفيه: قدم وفد نحران على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصالحهم على أداء الجزية، والجزية: إنما نزلت عام تبوك سنة تسع، وفيها نزل صدر سورة آل عمران، وناظر أهل الكتاب ودعاهم إلى التوحيد والمباهلة، ويدل عليه أن أهل مكة، وجدوا في نفوسهم على ما فاتهم من التجارة من المشركين، لما أنلز الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ المسجد الحرام بَعْدَ عَامِهِمْ هذا} [التوبة: 28] فأعاضهم الله تعالى من ذلك الجزية، ونزول هذه الآيات، والمناداة بها إنما كان عام تسع، وبعث الصديق رضي الله عنه بذلك في مكة في موسم الحج، وأردفه بعلي رضي الله عنه، وهذا الذي ذكرناه قد قاله غير واحد من السلف والله أعلم. انتهى من زاد المعاد.